آخر الأحداث والمستجدات
نفذ يا عبد الله بوانو تهديدك وانزل إلى الشارع
أصبح خطاب قياديي العدالة والتنمية مع الوقت يبعث على الضجر، ولا جديد صار بإمكانهم تقديمه، إلا اجترار ولوك الكلام الذي لم يعد يصدقه أحد، بما في ذلك الأتباع والأنصار، الذين لا يمكن للمرء إلا أن يشفق لحالهم، لتحملهم لكل هذه اللغة المكررة، والتي من فرط تكرارها أصبحوا ينعسون ويشخرون في اللقاءات والتجمعات التي ينظمها حزبهم، دون أن يحتج أحد منهم ويستيقظ من حفلة النوم التي يصرون على الحضور إلى حصصها.
آخر هذه القصص المعادة والتي تصيب المستمع إليها بالملل والقرف، ما ردده عبد الله بوانو يوم الجمعة الماضي، حين هدد مرة أخرى بالنزول إلى الشارع لمواجهة الجهات الخفية التي تسعى، حسبه لإسقاط الحكومة، والمتتبع لهذا المسلسل يعرف أن حزب العدالة والتنمية كان يهدد بذلك منذ الأشهر الأولى للحكومة التي يقودها، فلا هو نزل إلى الشارع وأراحنا وكشف لنا عن تلك الجهات، ولا هو كف عن ترديد تلك الأسطوانة، التي لم يعد أحد يحب الإنصات إليها، ولم تعد تغر أي طرف، والحال أن الجميع يعرف أن حزب العدالة والتنمية لم يكن ولا مرة في الموعد، في اللحظات التي تستلزم فعلا النزول إلى الشارع، وأقصى ما قام به هو الاحتجاج على قبلة في فيلم ومواجهة كل من كان يطالب بتغيير الدستور.
وحتى لا يضجر المغاربة من حزب العدالة والتنمية فإنه عليه أن ينزل إلى الشارع وينفذ تهديده، ونعده إن فعل ذلك أن نقدم له يد العون وننزل معه، ونحتج معه على تلك الجهات التي يبدو أنه يعرفها بينما يعجز عن ذكرها بالاسم، شرط ألا يبقى يمضغ الكلام ويكرر نفسه بهذا الشكل الكاريكاتوري.
لقد قضينا وقتا طويلا معكم ونحن نستهلك اللغة والكلام، إلى أن طفح بنا الكيل، ولم يعد أحد يتحمل، ونطلب منكم أن تقوموا بأي شيء لنشعر أنكم موجودون حقا وجادون في ما تقولونه، ولكي يظل الذين صوتوا عليكم مقتنعين بما فعلوا، هيا انزلوا إلى الشارع واحتجوا على أنفسكم، وسنتأكد حينها أنكم صادقون ولا تضحكون على الأتباع، حاربوا الفساد كما قلتم، ولا تجعلوه موضوعا إنشائيا، قوموا بأي شيء ملموس، فالملل منكم بدأ ينتشر كوباء، وإذا ما عجزتم، اخترعوا لغة أخرى وخطابا وكلاما آخرين، جددوا وعودكم، أطلوها واصبغوها وزوقوها، كي تبدو جديدة، وكي لا تنكشفوا.
حتى بنكيران، الأكثر براغماتية وواقعية وشعبوية، يجب أن تنصحوه، لأن المغاربة شبعوا من طريقته في الكلام وأصابتهم التخمة، ولم يعودوا يتحملون المزيد، لقد استهلك واستنفد هو الآخر كل مواهبه وقفشاته، وإذا ما استمر على نفس النهج، فإن السحر سينقلب على الساحر، وستصبح أي نكتة يحكيها ترتد عليه، ولذلك عليه أن يكف، ويفكر في حيلة جديدة، لتجنب القرف من تكرار نفس الصورة ونفس الكلام، والذي بدأ يجعل أشد المعجبين به ينفضون من حوله ويشكون فيه.
كان الأمر جديدا ومثيرا ومغريا في البداية، وأن تعد بتحقيق المعجزات وتهدد بالخراب في نفس الوقت، له من الجاذبية ما جعل الكثيرين يعتقدون أن بوانو وبنكيران وأفتاتي وباقي المتخصصين في علم الكلام داخل العدالة والتنمية يتحدثون عن معرفة ودراية وقوة، لكن هذه اللعبة طالت كثيرا وصارت مضجرة ومملة، في وقت ينتظر فيه المواطنون والخصوم والأتباع دون جدوى أن تنتهي إلى نتيجة ما، وأن تفضي إلى نتائج واقعية وملموسة على أرض الواقع.
لنتخيل أننا سنقضي الفترة المتبقية من عمر هذه الحكومة، في الحديث عن الجهات الخفية وبالتهديد بالنزول إلى الشارع وبالإعلان المصاحب بالزغاريد عن إصلاحات تسحب مباشرة بعد التطبيل لها، ولنتخيل أن البعض مازال يعتقد أن تدبير شؤون الدولة موضوع إنشائي ينال عنه تنقيطا ومديحا وتصفيقا حارا، ولنتخيل أن عبد الله بوانو يصدق فعلا أنه يهدد تلك الجهات التي يتحدث عنها بالنزول إلى الشارع، وأنه جاد في ما يقول، ولنتخيل بماذا سيرد بنكيران بعد انتهاء ولايته حين سيجرد لنا الإنجازات التي حققتها حكومته، طبعا، وإذا استمر الوضع على هذا الحال، فإنه لن يجد من إنجاز يفتخر به إلا تهديدات بوانو وقبلة أفتاتي والاكتشاف العظيم لكرش ادريس الراضي.
لقد أصبحت الرتابة هي الطاغية، ولا أحد يتوقع جديدا، والكل ينتظر أن ينقضي عمر هذه الحكومة، وحتى المعنيون مباشرة يشعرون بأنهم لا يملكون شيئا يقدمونه، ويجترون الكلام ويهددون ويتوعدون ويعدون، لمجرد الرغبة في تمضية الوقت ومداراة العجز، والخوف كل الخوف أن يصاب بوانو وبنكيران ومن يصدقهم بالسكيزوفرينيا، فيعتقدون فعلا أن هناك من يمنعهم من العمل، وأن فشلهم مرتبط بكائنات مجهولة ومؤامرات تحاك في الليل، وأن أشخاصا يلاحقونهم في كل وزارة، ولكي يتجنبوا هذا الداء، لا بد لهم أن ينفذوا تهديداتهم ويخرجوا إلى الشارع أو ينجزوا شيئا يذكره الناس، فالعلاج ضروري في هذه اللحظة وبأقصى سرعة، قبل أن يتفشى المرض، أما إذا كانوا متشبثين بأنهم أسوياء وفي كامل قواهم النفسية، فعليهم أن يثبتوا ذلك، ويحددوا لنا من هو ذلك الشخص الذي يعيق عملهم ويحاربوه بالفعل وليس بالمزايدات والمراوحة في نفس المكان وتعطيل هذه الفرصة التي أتيحت للمغرب لينتقل من مرحلة إلى أخرى، انزلوا، إذن، إلى الشارع، ونفذوا تهديدكم، قوموا بأي خطوة، لكن لا تصدعوا رؤوسنا، لقد أتعبتمونا بالشكوى والبكاء والدروشة، كأن المواطنين هم الذين يحكمون، وأنتم ضحايانا الذين لم نقدر على تحقيق ما وعدناكم به، كفوا رجاء، ولا تعلقوا ضعفكم وعجزكم وقلة تجربتكم على الآخرين، ولن يضركم في شيء أن تقولوا نحن في ورطة ونطلب النجدة.
الكاتب : | حميد زيد |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2013-03-12 00:51:06 |